زيزتي الغالية التي لا تقدر بثمن فارفارا أليكسييفنا،كنت اليوم الماضي منشرح النفس بشكل كبير،فاضت معه دواخلي بالفرحة العارمة! لقد قبلت أن تسمعي إلي أيتها المعتدة العنيدة، على الأقل ولو لمرة واحدة في حياتك ، وأن تفعلي ماطلبته منك!لقد علمت ماظللت وكنت أرغب فيه، وما بات قلبي يريده ! لاحظت بأن جزءأ كبيرا من ستارة شباكك، قد أزيح، وشد إلى أصيص البلسمينة، بالضبط مثلما سبق أن قلت لك بذلك، لكن بالمناسبة، كيف رايتي فكرتي واقتراحى بشأن ستارة شباكك،يا فاركينا؟ ألسيت في الحقيقه فكرة جميلة جدا ؟ فحين أنكب على الشغل، أو انام، أو أستيقظ فى الصباح كذلك أدرك في الحين بأنك تفكرين في ،كذلك ،تذكرني انك تتمتعين بعافية جيدة وبمزاج رائق.
وإذا ما أسدلت الستارة، فإن ذلك معناه :" الى اللقاء ياماكار ألكسييتفشي ، فقد جاء وقت النوم!". وحين تزيحينها الى الجنب مرة ثانية، فإن ذلك يكون مقصده أن :" عم صباحا يا مكار ألكسييتفشي، هل نمت بشكل جيدا؟"، أو كيف هي صحتك اليوم، يامكار ألكسييتفشي؟ أما أنا ولله الحمد، فبصحة تمام و رائعة، وأنعم بالسعادة!".هاأنت ترين يا روحى الغالية ، كيف توصلت الى هذه الفكرة الرائعة والعبقرية،لنتواصل فيما بيننا ! بفضلها، لم نعد نريد او بحاجة الكتابة من اجل التواصل! أليس هذا بعبقري؟! اعترفي بأني ذكي في مثل هذه الأمور؛ أليس كذلك ، يافارفارا أليكسيفنا ؟! ينبغي لي أن اقول لك يا أميمتي ،فارفارا أليكسييفنا، بأني نمت ضد ماتوقعته، وهو ماجعلني أشعر بفرحة عارمه لا تصدق ؛ إذ لاينام المرء بشكل ممتاز، في الشقه الجديدة التي يسكن فيها ليلته الأولى.والحال أني استفقت نشيطا هذا اليوم، وأنا كلي مرح وحيوية مثل الصقر؛ ولكم كان هذا ممتعا !ياأميمتي! وقد ذهبت بي شدة المرح والحيوية صباح هذا اليوم،إلى حد أن أحلم بشكل هادئ، رأيت في ذلك الحلم يافارينكا، بأن علينا نحن جميع البشر، الذي يعيش في كنف الاضطراب و الهم، أن نغبط طيور السماء البرية، وغير الابهة لنا؛ وقد جرت جميع أنواع حلمي على هذا النمط والمنوال بالذات. قولي لي يا فارفارا ألكسييفنا، إلى أين ذهبت هذا اليوم ؟ لم أنطلق أنا بعد إلى الشغل ، آه، يافاركينا،فاركينا! لا تتركني إلى الهم، الانتحابي، فإن الدمع لا ينفع؛ أعرفه معرفة العليم الخبير.هادئة جدا حياتك هذا اليوم، وصحتك قد اصبحت احسن بعض الشئ، لكن بالمناسبة، كيف حال فيدورا؟ آه! يالها من امرأة قوية ! لقد حافظت عليك وحضتنك وحنت عليك قربيتك تلك فى اللحظة التي تخلو فيه عنك اهلك وابعدوك من شدة فقرهم و بؤسهم, اننى انحنى لتلك المرأه بتقدير فقد كانت ولازالت الى الان خير مساعد لك .. أنتظر منك ياعزيزتى أن تكتبي إلي يافاركينا،لتقولي لي عن الكيفية والوضعية التي تعيشان عليها الآن سوية، وهل أنتما هنيئتان بشأن كل شئ. من اموركما إن فيدورا لامرأة قوية بعض الشيء،لكن يجب عليك أن تعبئي بهذا يا فاركينا.ينبغي عليك أن تسامحيها وتطيبى خاطرها ،لأنها طيبة للغاية! لقد سبق لي أن قلت لك عن صاحبتنا تيريز، المرأة التي تقوم على معاونتنا هنا، فهي إنسانه طيبه حنونة وموثوق بها.لقد كنت منشغل الفكر والقلق كتيرا بشأن الرسائل التي أكتبها، وشد ما فكرت ب الكيفية التي من شأنها أن تصل بها إليك. فإذا برب يرسل لي بتيريز، حتى تكتمل فرحتنا. إنها امرأة طيبة، وبسيطة وعذبة المعاشرة،إلا أن صاحبة المنزل ليس لها حقا،قلب رحيم بها. فهي تامرها على الدوام بالعمل المتواصل، وتعاملها مثلما تعامل الجارية السوداء. كنت كما تعلمين في الماضي، أعيش في وسط يغطي ويسود عليه الهدوء و السكون، أما هنا فعلى العكس، ثمة صراخ وضوضاء وحياة لا تنتهي! لكنني لم أصف لك بالشكل الكامل بعد، طبيعة المنزل هنا. تلك هي الحجر التي تتكرر إذن، ويصل عدد الموجودين في الحجرة الواحدة إلى شخصين، أو ثلاثة أشخاص.أما فيما يتعلق بالترتيب و النظام ،فلاينبغي أن تسألى عن شيء من ذلك ،لأن المنزل بمثابة سفينة نوح! ومع ذالك. يجب أن أعترف بأن السكان الماكثين هنا، يبدون طيبين ومتعلمين بطريقة لايستهان بها من التكوين العلمي. اسمعي عزيزتى انتظري رسالتي التالية ياأميمتي، التي سأسليك فيها بان اصفهم لك وصفا ساخرا مضحكا ،أما صاحبة المنزل فهي امرأة مسنة، وقذرة جدا، تقضي اليوم كله في شتم تيريز ليل نهار،أما أنا فاقيم في المطبخ، أو أني أسكن جانب المطبخ، في حجرة صغيرة وهي بمثابة ركن صغير متواضع....أو،هي مطبخ كبير جدا،ينفد إليه ضوء النهار من ثلاث شبابيك، ومقطوع على مستوى العرض الفاصل،مما يعطي الفكرة بأن هناك حجرة أخرى جديدة، إنه مسكن متسع ومريح، ومزود بشباك، ويتلائم مع حاجياتي بشكل كبير. كذلك هو مأواي إذن، ومن ثم لا يجب عليك يا أميمتي، حين تسمعين بأني اقيم في المطبخ، أن يذهب فكرك أو توقعاتك إلى تأويل هذا الكلام تأويل غريبا، لماذا أسكن في ما يسمى مطبخا؟ صحيح أني أسكن هذه الحجرة الآن، بمعنى أقطن مقيما وراء ذلك الفاصل تحديدا،إنما ليس في ذلك أي معنى.لدي ركن خاص اقيم فيه، وأنزوي إليه لوحدى بعيدا عن الآخرين، وأمارس فيه حياتي الخاصة و الهادئة دون شك ، يوجد اماكن أجمل بكتير من مسكني، و ذا قيمة اكثر منه؛ إنما الأساس في كل ذلك هو راحة البال. قبل كل شيء؛ ذلك أني واخترت هذا المكان،إلا لأنه مريح،إن شباكك الصغير ليقع في مقابل شباكي مباشرة، ولاتفصل بيننا إلا ساحة،وهي ساحة قليلة المسافة وأنا أراك حين تمشين بها؛ وهو الأمر الذي يجعل الحياة التى أعيشها حينها رائعة ،بالنسبة إلى حزين مثلي ، أدعى الغبطة والفرحة إلى جانب أن هذا المسكن يعيننى الى حد ما ، من حيث التحكم في المال ، في الحد من النفقات. لقد اشتريت أصيص إبرة الراعي وأصيص بلسمنية ،بثمن زهيد.لكن ،لعلك تحبين ايضا زهرة الحزام ؟هناك زهرات منها في المكان الذي اشتريت منه ذلك ؛ لهذا قالوا لي في رسالتك عن رغبة في ذلك. اكتبي إلي أرجوك عن كل شيء،بكل ما تقدرين من التفاصيل .بالمناسبة ،لاتقلقي تفكيرك وبالك من جهتي،ولا من ناحية الحجرة التي اسكن بها.لا. إن راحة البال وحدها هي من جاءت بي لهنا،أنا أدخر يا أميمتي بعض النقود جانبا فلا تعديني فقيرا معدما ،إذ أن لي طباعا جديرا بأن أكون انسان صلب الشكيمة ورابط الجأش.الى اللقاء،ياملاكي الصغير لقد كتبت واسترسلت بالكلام الى مايقارب ورقتين،وآن الأوان لأمضي إلى شغلي.أقبل أناملك الجميلة الرقيقة ياأميمتي،وأظل خادمك المتواضع، وصديقك الأمين. ماكار ديفوشكين . لدي رجاء اقوله لك: ردي علي ياملاكي الصغير،باكبر كمية رد ممكن .إني ارسل إليك رفقة هذه الرسالة،يا فاريكنا، بكمية من الحلوى وألتمس منك أن تقبليه مني وتلتهميه بشهية ؛ وأناشدك الله ألا تقلقي من جهتي، وألا تحزني.أما الآن، فالى اللقاء يا أميمتي! 8أبريل. عزيزي السيد ماكار ألكسييفيتش، هل تعرف أننا سننتهي فى اخر الامر بالتأكيد، إلى أن نتشاجر؟ أقسم لك يا عزيزي الطيب مكار ألكسييفتش، ،بأنه قد عز علي الموافقة على الهدايا منك.أنا على علم تام بما تكلفة من ثمن تلك الهدايا، وبما تكلفه على نفسك من تضحيات جمة اخرى، حتى تهديني اياها،فكم مرة قلت لك وأفهمتك إني لا اريد اي شيء، وأنى لاأحتاج ابدا إلى شيء وبأني لست استطيع إلى حد الآن، حتى على رد الجميل الذي اغرقتني به،مثلما يغمر المطر الأرض ويغرقها ؟فلماذا ترسل إلي بتلك الأصص؟ ثم لنفترض أنى وافقت على اخذ الأصيص البلسمينة،إنما لماذا تتكلف عند ابتياعك عصا الراعي؟لاشك أن هذه وردة كلفتك كتيرا . ومع ذلك فما احلاها !حمراء وموشاة بصلبان صغيرة.من أين اخذت هذه الزهرة الفاتنة الجميلة،ياعزيزي؟ لقد وضعتها وسط الشباك، في مكان تظهر فيه أكتر جمالا وجلية للناس.لماذا الحلوى كذلك؟ حقا ،لقد حزرت للتو، وأنا اتلو مكتوبك ، بأنك لست مرتاحا خالى البال : قلت في ذاتي .لا ينقص هذه البرقية سوى بعض الأبيات الشعريه ! ، أما المشاعر الرقيقه والجياشه، والأحلام الكبيرة موجوده فيها بكترة ! أما في ما يتعلق بالستارة ، فإني ما فكرت حقا في ازالتها ؛ هي بلاشك،علقت هناك لوحدها حين غيرت موضع الأصص.وإني لاعترف لك بهذا الآن، من باب الصراحة! آه، ياماكار ألكسييفتش! مهما اردت القول، ومها جرجت أمامي قائمة مصادرك المالية،فإنك لن تفلح أبدا في الكذب علي.من البديهي جدا، أنك تحرم ذاتك من بعض الاساسيات، من أجلي أنا.وأي فكرة غبية تلك التي راودتك وقتها مثلا، حين اتخدت لك مثل ذلك الكهف الذي وصفته مسكن ؟ إنك لتجعل نفسك عرضة للإزعاج والاحباط و الضيق، في كل لحظة وحين.ثم تقول إنك تحب الوحدة، بينما أنت في خان يعج بالناس ! والحال أنه كان بوسعك أن تقيم وتقطن في مكان أفضل من هذا بكثير ،حسب الراتب الذي تتقاضاه.قالت فيدورا إنك كنت في الماضي ،تعيش أحسن مما تعيش عليه هذه الايام .فهل من الممكن أن قضيت حياتك على هذه الكيفية، في الحرمان والعزلة، ودون فرح أو حديث ودي من صديق،وأنت تسكن في ركن ضيق بين الغرباء؟! آه،ما اشد حزني لحالك،يا صديقى الطيب! على الأقل،أقم الاعتبار لحالك ياماكار ألكسييفتش! تقول إن حماستك للشغل أصبحت دون شك، معروفة من قبل لدى مدرائك،بما فيه الكفاية. اتوسل إليك مرة أخرى لا تهدر كل ذلك المال الكتير من أجلي. أنا أعرف بأنك تعشقني،لكنك كذلك لست ثريا...كنت اليوم أنا أيضا ،في غايةمن السعادة، حين استيقضت من النوم.لقد احسست بسعادة وفرح غامرين جدا يعتريانى .كانت فيدورا قد بدات تعمل منذ وقت لايستهان به، .كنت سعيدة بذلك،ولم أخرج لابتياع الحرير،ثم شرعت في العمل بعد ذللك، فورا.خلال الصباح كله، احسست براحة كبيرة ، وكنت سعيدة الغاليه لكن الخواطر السوداء رجعت الآن لتستبد بي شيئا فشيئ، وعاد الحزن وانشغال البال يشوشان على مجامع قلبي.آه،باربي! ماذا ساصبح؟ وماذا سيكون مصيري المجهول من القسوة بالنسبة إلي، أن احيا ضمن دائرة الحيرة،التي تشبه حالى هذه، وألا يكون لي أي مصير، إن ذكرى ذلك الماضي الموجع كفيلة وحدها بيتمزق وتحطيم فؤادي. لن أجد الدمع الكافي لأبكي إلى نهاية حياتي ،بسب الاساءة التي اقترفها بحقي هؤلاء الأشرار! لقد بدأ المساء يجيء.لدي شغل مستعجل ،ويجدر بي أن أسرع في عمله.الرسائل شيء جميل من دون شك،لأنها تجعل الحياة أقل شأنا وإجراء لكن، ألا تزورنا أبدا؟لماذا لا تاتي الينا ابدا،يامكار ألكسييفتش؟ نحن جيران،وقد يصدف أن تجد في بعض الأحيان، وقت من اوقات الفراغ.أرجوك أن تأتي. لقد شاهدت صاحبتك تبريز.بدت لي وكأنها مرهقة ومريضة جدا ،فأشفقت لحالها ، و مددت لها عشرين كوبيكا .آه، أجل! لا تنسى أن تفصل الحديث ماأمكن ذلك، بخصوص طبيعة عيشك.ولاتنسى أن تكتبه لي، أفهمت؟! سأرفع اليوم متعمدتا ، زاوية من ستارة الشباك.لا تتأخر عن موعد الرقود ، إذا رأيت البارحة بأن نورغرفتك بات مشعلا، إلى غاية منتصف الليل .إذن الى اللقاء. أنا قلقة، وضجرة، وكئيبه حزينة.ثمة على ما يبدو، أيام يكون فيها الانسان كذلك الوداع! المخلصة فافارا دوبروسليوفا. 8 أبريل. الآنسة فارفارا ألكيسيفنا، واحسرتاه يا أميمتي ،واحسرتاه! ماذاك منك يا صاحبتي العزيزة، إلا أمر صادق : لقد كان نهاري متعبا ومرهقا بالطبع، أضيف إلى قدري البائس! أجل ...لقد سخرتي مني، ضحكت علي فماحاجتي في هذا العمر الذي بلغته ، بعد أن لم يعد لي غير بعضا من الشعر القليل في فروة الرأس، إلى الاندفاع صوب أمور الهوى، والخوض في العواطف الملتبسة ؟! يجب علي أن أقر بهذا، يا أميمتي : المرء كائن غريب عجيب في بعض الاوقات، غريب مدهش على نحو كبير.! أنا لست غاضبا يا أميمتي، لكن ما يحرجني في ذلك هو ذلك الوقت من التفكير في كل ما كتبه لك؛ وإني لأشعر بالخجل الشديد والهوان لكوني استعملت في رسالاتي، تلك العبارات والألفاظ التخيلية الغيبة جدا ! لقد كنت شديد الاعتداء و الفخر فى نفسى ، وشديد المرح والنشاط،لقد اسعدني قدوم فصل الربيع جدا ، فخرجت لا البس سوى معطف خفيف.أنت كذلك أخطأت التقدير يا صاحبتي العزيزة،بشأن طبيعة مشاعري! لقد قمت بتفسيرها على نحو غريب ،لانخداعك باتقادها. إن تدفق العواطف قد اتخذ لدي في الواقع، منعطف مختلفا كل الاختلاف. عن التفكير إن المشاعر الأبوية هي التي كانت وراء احاديثي، ولا شيء غير العاطفة الأبوية البريئة والصداقة،أيتها اليتيمه المأسوف لشبابها!وإني لاقر لك بهذا هنا من أعماق الروح و صميم قلب ،مثلما قد يفعل مايمت لك بعلاقة دموية. اعلم جيدا بأن ماثمة توجد إلاقرابة دموية بعيدة فيما بيننا،تشبه نقيع الغلية ما بعد السادسة من الشاي القديم،مثلما يقول المثل عندنا؛فإذا لم تكن تصلني بك قرابه دموية، فإن هذا ليس معناه الآن، أني لست أقرب أقربائك، وإنما الموضوع عكس هذا،وأنا من تقع عليه بشكل عادي مسؤولية حمايتك ورعايتك ، لأنك لن تجدي الحماية و المعاونة في المكان، الذي كنت تتخيلين فيه وجود ذلك، وإنما وجدتي مجرد الخيانة والسب والقذف.أما عن نظم الشعر،فيجب أن اخبرك، ياأميمتي، بأن من غير لائق بمرء في مثل سني،أن يتعاطى تلك المواضيع. إن الشعر لهذر ولغو! يا عزيزتي! ماذا تقصدين يافارافار ألكسيييفنا،بكلامك عن أجواء الراحة والعيش الرغد والهدوء في شقتي، في الرسالة التي ارسلتها إلي؟ أنا لست صعبا يا أميمتي ، و لا متعصبا في الاشتراط ، ولم يسبق لي أن أعيش أحسن ما أعيش عليه اليوم ،ابدا؛ فلماذا أصبح وأنا في هذا العمر كتير القرف والتقزز ،وشديد التطلع ؟! إن طعامي مكفول، ولباسي متوفر،فما حاجتي بعد ذالك إلى البحث عن إشباع عواطف أخرى؟ أنا لست سليل كونت! والدي لم يكن ينتمي إلى طبقة الاثرياء ، كما أنه لم يكن يكسب كثيرا ، رغم الأعباء الكبيرة التي ظل يرزح تحتها،مثلما اجني أنا الآن.أنني لست بالطفل المخنت! ومع ذلك، وحتى أقول الصدق، فإن جميع ماكان في بيتي القديم كان أفضل مما انا عليه الان ، ولا وجه للمقارنة بين بيتي الحالي و القديم. فقد ظللت أشعر في محلي القديم بالهدوء،أما بيتي الحالي فهو من دون شك أحسن كذلك،وهو أكتر سعادة في نواحي كثيرة ،إننا معشر الشيوخ، لا نحب سوى بالأشياء القديمة، وكأن ذلك جاء عن عاطفة طبيعية.لكن كل ذكريات الماضي تبعت في ذاتي الحنين، وتجعلني اليوم بائسا....آلا ماأغرب هذا .لقد عشنا في هدوء و سكينة هناك، أنا وصاحبة البيت العجوز ، التي ماتت اليوم،يافاركينا. لقد كانت امرأة شجاعة.ولم تكن تستأجر بيتها بثمن باهظ.كانت كل الوقت تخيط بإبرتيها الطولتين بعض الاثواب؛ وكان هذا هو عملها الوحيد.كنا نستضئ بشكل مشترك، أنا وهي،وننفق معا على ذلك،فنعمل مشتركين نحو المنضدة نفسها.وكانت حفيدتها ماشا تعيش معها ايضا؛ ولابد أنها صارت الآن فتاة في عمر الثالثة عشرة.لقد كانت صبية شقية في غاية السعادة والانشراح دوما، دائما ماتضحكناب أفعالها؛نحن الثلاث. وغالبا ماكنا نجلس في امسيات الشتاء الطويلة،حول المنضدة الدائرية،و نحتسي الشاي في الاكواب الصغيرة،وبعدها ننهمك في اشغالنا . وحتى لا تصاب ماشا بالملل، كانت العجوز تبدأ بالحكايات، ويالها من قصص لم تكن تشد الطفلة الصغيرة وحسب ، وإنما باستطاعة رجل عاقل وذكي كذلك،أن يعلق في دهاليز قصصها، وأن يصغي إليها باهتمام كبير.كنت أشغل غليوني، و استرق السمع إلى تلك الحكايات إلى الحد الذي ينسيني شغلي. أما الطفلة الصغيرة ،فتصير شاردة ساهمة ؛ وكلما أخدت القصة بعدا مخيفا بعض الشيء إلا وزادت التصاقا بالمراة الكبيرة! كانت رؤيتها على ذالك النحو، متعة وتسلية بالنسبة إلينا؛ ولم نكن ننتبه، إلى أن الشمعة تكاد تنتهي، ولا إلى الريح التي تهب بصوت عالي في الخارج .كنا نعيش حياة جميلة سعيدة ،يافاركينا؛ وقد قضينا على ذالك النحو والحال تقريبا عشرين سنة، أنا اليوم بائس كتيرا، يافاركينا! ماذا كتبت تقولين لي،إذن يا عزيزتي كيف اتيك زائرا؟! وماذا سيقول عنا الناس يا عزيزتي؟ يتعين علي عبور الفناء،قليلا فيثير ذلك انتباه الجيران، ويأخذ هؤلاء في طرح الأسئلة و يتكلمون عنا ، وسوف يساء تأويل ذالك.لا ياملاكي الصغير، من الأفضل لي أن أراك في اليوم الاتي، على هامش الصلاة وذلك أقرب إلى الحكمة و التعقل،بالنسبة إلينا كلنا. أنا يا فارنكيا رجل كبير في السن،لم أحظ بالمعرفة ولابالتحصيل الادبى ؛ ولم تتح لي في الصغر فرصة .للتعلم، ولاشيء الآن سيستقر في راسي من أسباب المعرفة، إذا ما حاولت أن ادرس.إني لأقر لكوني غير ماهر في التعبير والتوصيف، ياأميمتي،لقد رأيتك اليوم بينما كنت تسدلين الستارة الوداع ، الى اللقاء ؛ وليحفظك الله الوداع.يافارفارا ألكسييفنا. صديقك المرتفع عن كل غاية غير طاهرة، ماكار ديفوشكين. 9أبريل . الصديق الذي لايفتأ ولايمل أن يحسن إلي و يكرمني ،تأكد بأني لن أسمح لنفسي ابدا ، بأن أمزح بخصوص عمرك وطبعك. إن مرد كل هذا إلى تفاهتي،خاصة وأني أصاب بالملل الفظيع؛ والحال، أن المرء كلما أصابه التعب والملل،إلا ويكون قادرا على ارتكاب سخافات وحماقات كثيرة ،إلا أني قدرت بأنك كنت تريد،أنت كذلك بالذات،في أن تسخر في مكتوبك.لقد صرت كئيببة حزينة جدا ، أما أدركت مدى الحزن الذي تسببت لك فيه .لا،لا يا صديقي الرقيق، وياسابغ نعمة علي ،أنت تغلط وتظلم ،إذا ماظننت بأني عديمة العواطف،وقليلة الوفاء. أنا أعرف و أقدر بالدفاع عني من الأشرار الذين ظلوا يضطهدونني، ويكرهونني. سأظل اصلي لك طيلة الحياة، وإذا ما وصلت دعواتي إلى الله، واستجاب لها، فستكون فرحا هانئا. أنا اليوم متعبة للغاية. وأبدو انى مريضة ,أشعر بين الفينة والفنية، بحمى و بردية. فيدورا قلقة جدا علي , أنت مخطئ لعدم تجرؤك على المجيء الينا، مادخل الآخرين في هذا الموضوع؟ نحن نعرف بعضنا ، وهل هذا كاف لوحده! ...الى اللقاء ياماكار ألكسييفيتش ،لم أعد اعرف ما أكتبه لك؛ زد على ذلك أنه من غير الممكن علي الاستمرار في الكتابه، مادمت متعبة جدا،أرجوك مرة أخرى ألا تزعا او تغضب مني، وأن تثق في التقدير والولاء الثابتين فى ذاتى ، اللذين أتشرف بالبقاء في خدمتهما بوفاء.أنا المخلصة. فارافارا دوبروسيلوفا. 12ابريل. الآنسة فارفارا ألكسيفنا! آه!والذي حدث لك، يا أميمتي؟! أنت تسببين لي باستمرارالخوف و الهلع! في كل رسالة من رسائلي،اقول لك ان تعتني بنفسك ،وارتداء ملابسك الثقيلة ، خلال الأجواء غير الرائقة ؛ وألا تهملي أي احتياط للوقاية ؛ فإذا بك لا تسمعين إلى كلامي، ياملاكي الصغير.آه.إنك يا أميمتي لتبدين ، رغبة في معرفة نوع المعيشة التي أحياها بالتفصيل،وسأبدأ من الاول يا أميمتي، وسيكون ثمة الكتير من التفصيل.أولا، إن مدخل منزلنا نظيف رائق والسلالم لابأس بها،خاصة ذلك الدرج الذي وضع للزينة،فهو نضيف وعريض ومضاء مصنوع بكامله من الحديد المسبوك، ومن خشب الأكاجو.بينما الدرج الموضوع للخدمة، فالأفضل ألا يتكلم عنه المرء: إنه لولبي الشكل وتستبد به دوما القذارة والرطوبة، ودرجاته مهشمة وجدرانه مملوءة بالدهان، وعلى كل منبسط يفصل بين السلم اللاحق و السابق ،ستجدين بعض الصناديق والخزانات المهشمة، ، والكراسي، والخرق التي تسد فجوات الأبواب من الأسفل، و الشبابيك التي تكسر زجاجها ، وجميع أنواع الزبالة والقذارة، وروائح كريهة جدا ....إن ذلك باختصار،قذر للغاية! إن الهواء في البيت بكل بساطه واريحيه هو هواء مقيت.المطبخ عندنا كبير ومضاء وواسع.في صباح حين يقلى السمك أويطهى اللحم،يستبد بالحجرة نسبيا دخان الفحم،فيتم بعدها دفع الماء على كل مكان،بينما تكون الحجرة بالمقابل جنة في الليل. وهناك في المطبخ غسيل قديم موجود على الحبال بشكل يومى ؛وبما أن جحري غير بعيد،أوانه بالأحرى الى جانب المطبخ،فإن رائحة الغسيل تزعجني قليلا؛ لكن ليس في شيء ذي اهمية: إذ مع مضي الوقت سرعان ما يبدأي الانسان بالتعود عليه. منذ الساعات المبكرة من الصباح،يبدأ عندنا الهرج والمرج، يستيقظ الجميع ،فيبدا الكل في الذهاب والإياب، ويتسبب ذلك في ضجة كبيرة؛ إنها وقت اللحظة التي يخرج فيها كل واحد من الناس من سرير نومه ليذهب حيث يريد له أن يذهب: هذا إلى الشغل ، وذاك إلى الخارج...إلخ؛ و يحتسي الجميع الشاي في اللحظة ذاتها ولأن ربة البيت لا تملك غير عدد قليل من الاواني التى لا تكفي للكل،فإن ذلك يستعمل بالترتيب،لسد حاجة جميع السكان وإذا ما حاول أحد من هؤلاء التقدم عمن سبقه،دون أن يكون الدور قد جاء عليه،يتلقى درسا فورا.هنا تعرفت على الكل بدءا بضابط البحرية.إنه شخص صريح جدا، حدثني عن كل شيء وقد وعدني باعطاءي حمايته في جميع الاحوال، ودعاني لشرب الشاي في حجرة كان من عادة سكان المنزل أن يجتمعوا فيها للعب الورق والتآنس . هناك جلب لي الشاي وأراد الكل أن ألعب معهم القمار.أتراهم يستهزئون ويسخرون مني؟ ،أم ماذا؟! لا اعلم أي شيء؛ فقد باتوا يلعبون المساء كله، وكانت اللعبة في اعلى حميتها،حين دخلت عليهم.وبما أني لم أشاركهم اللعبة،فإنهم اعطوني احساسا بأنني أجلس بينهم مثل فيلسوف عظيم ، يتعالى في برجه العظيم.بعد ذلك، لم يوجه لي آي أحد منهم ولو عبارة واحدة، وهو ما افرحني صراحة.لن أذهب إليهم في المستقبل أبدا ؛ إنهم بكل بساطة مقاميرين مجانين،وليسو شيئا آخر !ثم إن الرجل الذي يؤدي خدمة أدبية، يرتب هو الآخر بعض الجلسات المسائية في حجرته،غير أن كل شيء في حجرة هذا يمر على أحسن وجه، وتتم الاجتماعات بشكل فائق و بريء، وفي أجواء جميلة جدا. كما أن صاحبة البيت امرأة قذرة، مستبده وهي إلى جانب ذلك أيضا ساحرة حقيقة. وجميع الخدمات تاتي من طرف شخصين اثنين : تيريز وفالدوني، وهو مساعد ربة البيت ، وحتى اتكلم بشكل عام ، أقول إن المنزل هنا، ليس أمر مسعدا بالنسبة إلي ...ففي الليل، لا يحدث عندنا بالكل، أن يندمج السكان كلهم في النوم،في اللحظة ذاتها.أنا الآن معتاد نسبيا على ذلك ،لكني لا اعرف كيف يستطيع ناس متزوجون، أن يتكيفوا مع الضجة الليلية التي تبقى تستبد بالأجواء، عندنا.هناك عائلة بكاملها من الفقراء ،تحتل حجرة بالدار، إنما هي ليست من تلك الحجر الواقعة في الممر،لأن أفراد تلك العائلة يسكنون ضمن الجانب الثاني ،في زاوية تقع بركن بعيد.إنهم أناس هادئون، حجرتهم مجرد غرفة مشطوره إلى جزئين .رب الأسرة مستخدم فقد منصبه؛ تمت اقالته لأسباب غير معروفة، منذ سبع سنين: يسمى غورشكوف؛ إلى حد أن من يتطلع اليه لا ينفك يتألم لمنظره؛ وأنا لست عالة على أي أحد! إن كسرة خبزي من عرق جبيني وهي ملك لي،. فما العمل إذن أنا لاأخفي على ذاتي بأن عملي كناسخ، ليس شغلا رفيع الشأن مرموق الحال ،لكني مع ذلك فخور به: أنا أعمل ،و أكد. وما الذي يهم الناس في الحقيقة،إن كنت أستنسخ وأستنسخ؟ أهذه جريمة؟يقولون:"إنه يستنخ".لكن مالذي يسئ كثيرا لسمعة الانسان في ذلك ،إذن ؟لدي خط جميل ومقروء بكيفية كبيرة؛ وصاحب المعالي موافق عليه عنه وأنا أنسخ وثائقه كبيرة الأهمية. صحيح أني لاأملك طريقة للتعامل ،وهو ما حال بيني وبين الترفع في سلم الخدمة، لكن لوكان كل الناس كتابا،فمن سيفضل منهم ليصبح ناسخا؟ أنا احس الآن ،بأن حاجه ما إلي ، وبأني إذن ضروري ، وبأن كافة تلك التفاهات الحقيرة التي تروج علي، لاأساس لها ، طيب ،إن الإنسان ليحب ، بعد كل شيء أن يعدل مع نفسه بين الأحين والآخر، الى اللقاء الآن يا عزيزتي، وياعزائي ا لوحيد الجميل! سأمر عليك في ا لمنزل،ولن أتغيب عنك ،وإلى أن يصير ذلك، عليك آلا تتضايقي.سآتيك بكتاب .هيا،الوداع يافارينكا. صديقك الصادق في إخلاصه، ماكار ديفوشكين. 25 يونيو. عزيزي الغالي ماكار ألكسييفيتش! أعيد إليك رسالتك ،وهو كتاب خبيث وخال من أي معنى! ترى،أين وجدت مثل هذه "التحفة" الفريدة؟! ثم هل من الممكن بحق،أن تكون معجبا ومتيما بمثل هذه الكتب،وعدتني بأن تعثر لي على شئيا ما لاقرأه،في يوم ما سأتحمل ما علي من الإنفاق،في سبيل اقتناء شئ ما للقراءة.والآن، أوعدك.ليس لي في الحقيقة، أي وقت لاضيعه في الكتابة. 26يونيو. ف.د. عزيزتي فارينكا! ما جرى هوأني لم أقرأ ذلمن قبل، في الحقيقة لقد ألقيت عليه ، مجرد نظرة خاطفة،تبين لي من خلالها أنه يتضمن بعض السخافات، والأمور المكتوبة لأجل الإضحاك والتسلية وحسب، و افراح الناس.بيد أن راتازاييف قد وعدني بأن يعطيني شيئا ما يتميز بقيمة أدبية كبيرة. إن راتازاييف على علم كبير بالكتب الأدبية القيمة، لأنه انسان ذكي، ويمارس هو بذات الكتابة. أوه،لكن يكتب! إن لديه ريشة متأخرة دوما الكتابة،كما أن له سعة وافرة في الأسلوب وكبيرة. ليس منظره معه جلسة أدبية وحسب،وإنما وليمة حقيقة! إن لذلك سحرا على الانفس؛ وأنه لمثابة زهور ،زهور إيجابية؛ ففي كل صفحة يتلوها، تصادفك باقة منها! إن راتازاييف رجل لطيف المعشر وظريف وطيب! فماذا أكون أنا إذن أمام شخص مثله ؟ ماذا ؟ لاشيء.إنه رجل معروف، بينما أنا، من أكون؟ أنا غير موجود ابدا.من قبيل أنه لايعاملني معاملة حسنة، إلا لأنه يستفيد مني بالتحديد، كناسخ.ذلك عمل أقوم به أنا بالذات، من تلقاء ذاتي، كي أكون معه ودودا أنا الآخر؛ وإن كان يعاملني بالمودة و العطف فإنما ليجعلني مسرورا.إني لاعلم رقة ذلك السلوك،فهو رجل طيب طيب كثيرا، وكاتب لامثيل له. إن الأدب شيء رفيع وعالى جدا، إنه لشيء عميق! شيء يشجع قلوب الناس، ويغدي ادمغتها، في الكتاب الذي قرأناه. أفكار معروضة بطريقة جميلة جدا! إن الأدب رسمة، بمعنى أنه لوحة ومرآة، فيهما نرى عدة أمورعدة ، منها: العواطف، والنقد المرهف والتعبير، ، والدروس الباعثه على التقوى والوثاق.هذا كل ما بقي عالقا براسي من كلام تلك االمجموعة التي سهرت معها البارحة. لكنني ببساطة أنمحي ولااعود موجودا ،حينما يشرعون في الحديث عن مختلف المواضيع.حينها ، لا اراني سوى مجرد كائن حقير،فأخجل على الفور من ذاتي، وأحاول طيلة الليل أن أبحث عن فرصة مواتية للقذف على الأقل ولو بنصف عبارة،ضمن السياق العام للحديث. إلا أن نصف الكلمة ذاك لايطاوعني بالكل؛ وحينئذ لا يبقى للانسان سوى أن يشتكي من نتيجة تلك العاقبة الكسيفة التى تلازمه ، والتحسر على كونه ليس كذا وكذا، وأنه كبر من دون أن يصبح ذكيا، مثلما يقول المثل! وماالذي ترينني اعمله الآن، أنني أنام أنا أنام! إذيمكن للانسان أيضا، بدل النوم، من غير حاجه ولاضرورة،أن يشغل نفسه بالقعود إلى مكتبه بكيفية جميلة، والانهماك الفعال في الكتابة.إن هذا عمل مثمروفعال بالنسبة إلى الانسان، وجيد بالنسبة للآخرين. تصوير فقط ياأميمتي، كم ياخذ هؤلاء المتعاطين الأدب،غفر الله لهم! خدي راتازاييف، على سبيل المثال: كم ياخذ من المال؟!يطالب راتازاييف ،مقابل دفتر دون عليه أبيات شعرية قصيرة،ربما يقارب سبعة الألف روبل، تصوري ذلك! إن هذا يبلغ حق وثمن عمارة،قال إن هناك من عرض عليه ما يقارب خمسة آلاف روبل،لكنه لن يتخلى عن كتابته مقابل ذلك العرض. قلت له،"ارضى بمبلغ خمسة آلاف روبل المعروض عليك،ياباتوشكا؛ ثم اسخر من هؤلاء كما تشاء .إن خمسة آلاف روبل لهي،قبل كل شيء مبلغ جميل!" "لا" أجابني." سيدفع لي هؤلاء الحمقى سبعة آلاف!".إنه رجل يفهم حقا،في الصفقات. أود أن أشير الى ملا حظه فقط أن عليك،بخصوص قطع الحلوى المدعمة بالسكر،ألاتقضميهاقضما بأسنانك،وإنما أن تمتصيها فقط و الا أوجعتك أضراسك.طيب ،الوداع، الى اللقاء.ليكن المسيح في عونك،يا عزيزتي! أما أنا فسابقى دائما وأبدا، صديقك المخلص للابد، ماكارألكسييفيتش. : 27يونيو. السيد ماكار ألكسييفيتش، قالت فيدورا إن هناك بشر يهتمون جيدا بأمري عن طيب نية، إن أنا اردت ذلك، وسيجعلونني أحصل على عمل مشرف وحسن في بعض المنازل، من قبل مربية مثلا.فمارأيك يا صاحبي؟ أأذهب أم لا؟ حينها،لن اظل دون شك،عالة عليك؛ ثم إن العمل المقترح يبدو لى انه مغريا؛لكن من الصعب جدا من ناحية أخرى ،أن يرضى المرء في سكن في منزل لا يعرف أهله حق المعرفة.إني منطوية قليلا على ذاتي، ومتوحشة جدا امام الناس ،ولا أحب مغادرة المكان الذي ألفته وعشت فيه.إن الانسان ليشعر بطمأنينة والراحة في البيت الذي ألف وتعود العيش بين زواياه:ذلك أنه مهما لقي فيه من تعاسة وشقاء،فإنه يحس فيه بالتوازن المعنوى والطمأنينة. وإلى جانب هذا وذاك، سأكون مغصوبة ومضطرة على الذهاب إلى البادية، ويعلم الله وحده أية مهام توكل إلي كذلك؛لربما لا يرغب هؤلاء مني أن أكون سوى خادمة فى منزلهم ولاولادهم، أضف إلى ذلك كله،أنه يتوجب علي أن أتلائم مع طبيعة طبعهم و مزاجهم الخاص:فهم قد قاموا بتغير المربية لثالث مرة،في ظرف عامين وحسب!لذا، قل لي أأذهب أم لا؟ لم نعد نلاقي بعضنا بعضا إلا يوم الأحد ، على هامش القداس، فقط يالك من بري يخشى ويخاف مخالطة الناس! أنت تشبهني بشكل كبير! وكتير ماأشعر بالحزن الكبير، خلال وحدتي و عزلتي. أجدني في أحيان كثيرة ، وحيدة في البيت بشكل كامل، خاصة مع هبوط الليل.فيدورا تذهب إلى مكان مجهول، وأنا أبقى هنا افكر واستعادة الماضي بمسراته و احزانه ويتجلى ذكراه أمام ناظري وكأنه يخرج من بين الضباب. وأرى وجه والدتي في الأغلب الأعم ....وأي حلم احياه! أشعر وكأن صحتي قد تدمرت؛وها أنذااليوم أجدني لحظة استيقاظي ،أشعر بالوجع والوهن ؛ ثم أشكو إلى جانب ذلك كله من سعال قوي! إني أحس ،بل أعلم أنني سأموت قريبا ولذلك سيتعين علي أن اتوفى ربما لدى الغير، وفي زاوية مهجورة ومجهولة!...رباه لكم هي حزينة وبئيسة هذه الحياة،ياماكار ألكسييفيتش! لماذا تجعلني اكل الحلوى دوما،ياصديقي؟ ارجوك يا صديقي، بحق السماء،بأن تحفظ المال وأن لا تبذره في مثل هذا الإنفاق أرجوك ! إن فيدورا ستبيع الموكيت الذي طرزته؛ ولقد اعطانا فيه البعض ثمنا يقدر بخمسين روبلا،من فئة الأوراق النقدية. سأنقد فيدورا ثلاثة روبلات فضية، وسوف أشتري لي فستانا عادي،ليكون دافئا وسأصنع لك قميصا من القطن المزركش ،أنا من يصنعها بنفسي.سأختار القماش جيدا. إنما قل لي،بالله عليك، كيف أعجبتك تلك التآليف، كيف تقدر أن تتذوق مثل تلك السخافات ؟!..والآن، الى اللقاء ، لقد تركت لريشتي ونفسى الحرية والإسهاب في التكلم معك! حين أكون حزينة،إن ذلك نوع من الدواء،يشعر المرء بعده بالراحة والهدوء فورا،خاصة حين يكشف الثقل الذى يجثم على قلبه.الوداع، الوداع يا صديقي! المخلصة ف.د. يونيو. أميمتي، فارفارا ألكسييفتا، كفي عن الحزن! كيف لا تستحين بالله عليك، من الإفراط في التالم على نفسك؟! كيف تخطر مثل تلك الأفكار على راسك؟! أنت لست متعبة ياملاكي الصغير،أبدا لست كذلك ؛ أنت شابة قوية ، إنك حقا لنضرة؛ بك بعض التعب،إلا أنك نضرة مع ذلك. وماذلك الذي قلته عن الجيران و الاحلام ؟ ابصقي عليها فحسب.انظري إلي يا أميمتي. إن رؤيتي لشيء تسر الناظرين! لذلك ، ابتعدي عن هذا السلوك ،وقومي ذاتك. أناشدك الله يا أميمتي ،بأن تتوقفي عن ذلك،من أجلي أنا.. لقد سألتني عن رأي في موضوع ان بإمكانك الدخول في خدمة بعض الناس.بالنسبة لي، ذلك مستحيل لا ، ولا، وألف لا! ثم كيف أمكنك الظن والاعتقاد بأن ذلك مناسب لك؟ كلا أنا بالتاكيد لن أسمح لك بذلك يا أميمتي، ساقف بوجه هذه المواضيع بكامل قواي. سأعرض لباسي الرث و الرسمي للبيع، وأمشي بين الدروب و الجادات بمجرد قميص،لكني لن أتركك تحسين بالحاجة و الفقر. إن ذلك لضرب الجنون و الشطط الخالص! إن ذلك بالتأكيد لخطأ فادح ، تتحمل فيه فيدورا المسؤولية كلها بالكامل : إن هذه الغبية هي من أوحى لك بهذه الفكرة. الشنيعة إنها امرأة مشاكية و غبية؛ ولذلك أودت بحياة زوجها الميت بسرعة! لا بتأكيد يا أميمتي،لن تقدمى على هذا الفعل ابدا! إذ ماذا عساي اصبح، حينها ؟ عيشي هنا بهناء وراحة، طرزي أو اقرئي إن اردت وإذا لم تشائي التطريز، فلا تفعلي أي شيء! لاشيء يهم من كل ذلك،بشرط أن تبقي بيننا ومعنا.وإلا فلتتصوري أنت بذاتك كيف سيؤول حالي من دون وجودك بقربى ، حينها! ...سأوفر لك بعض الكتب، وسأطالب بعد ذلك بإجازة ليوم، أو يومين أتوقف فيه عن الشغل،كي نقوم معا برحلة ثانية.لذا ،لايتعين عليك فقط ياأميمتي،سوى ابعاد تلك الفكرة الغبية عنك .... أما الآن،ياأميمتي فالوداع! لم يعد باستطاعتي الاستمرار؛ لأن لي ماينبغي عمله. لا يجب علي أن أنسى أنه عليك أن تتنبهي لذاتك، هدئي من روعك وأريحي نفسك تماما ،وليحطك الرب بعنايته سابقى أنا صديقك المخلص، ماكار دييفوش . 1يوليو. صديقي الغالي ماكار ألكسييفتش! لاياصديقي، أنا لا اقدر ان اظل بينكم.لقد فكرت في الموضوع ، فبدا لي أن من الخطأ الذي لا يسامح ، رفض عمل مثل ذلك،له كل تلك المنافع المجدية.هناك سأضمن الحصول على رغيف مأمون على الأقل ؛ وسأبذل قصارى جهدي لاحظى برضى أولياء نعمتي؛ وسأسعى إلى تقويم حتى طبعي ومزاجي، كي اتناسب مع ما ينتظره هؤلاء مني. من الصعب و المحزن على النفس حقا، أن يضطر الانسان إلى العيش بين ناس مجهولين،وإلى البقاء رهينة نعمة الآخرين عليه و إحسانهم إليه، و إلى أن يكره ذاته على ما تحب أو تهواه؛ولكن الله سوف يساعدني. إذ لايمكن للمرء أن يبقى كل حياته على نفس الحال ، وهو يستعدي الناس و يتجنبهم،ويعيش في مبعدة عنهم. على أية حال،من المسيء والموجع لي أن أكون عالة عليكما أنتما الاثنين.إن التفكيرفي هذا الموضوع يمزقنى ويسومني العذاب الموجع.وإني لأصدقك القول في هذا،وهل تعتقد أني لا ألاحظ أن فيدورا تصحى باكرا كل يوم،فتنهمك في الغسيل و العمل الشاق إلى ساعة متأخرة من الليل ، مع أن عظامها الكبيرة في حاجة كبيرة كي ترتاح؟ ! وهل تظن أني لم ألاحظ كذلك،بأنك تدفع بنفسك نحو الكساد والفقر بسببي، وبأنك تضحي إلى آخر قطعة نقدية صغيرة لاجلي؟! لقد كتبت تقول لي أنك ستبيع آخر رداء من أرديتك ،ولن تدعنى أعيش العوز و الحاجة. أنا أصدق كلامك ؛لكن ماذا بعد؟أنت ذاتك تعلم : أنا مريضة على الدوام، ولا اقدر أن أعمل مثلا على الدوام ،على تحقيق بعض الاحلام التي حلمت بها،ثم ليس لي من شغل دائم فماذا يظل لي،إذن؟ لم يعد يفضل مقابلي سوى الانسحاق في وهدة الضنى و الحزن ،وأنا انظر إليكما وقد اتعبتكما معا في العمل.ففي ماذا أكون مهمة بالنسبة لكما، ولو ضمن الحد الأدنى؟!في ماذا يمكنني أن أكون مهمة بالنسبة لك ياصديقي؟! أي جميل فعلته، وأصنعه من أجلك؟لكني أعرف أن أحب،و اقدر أن أحب ولاشيء أكثر؛ لأني لا اقدر على أن أحسن إليك،ولاعلى رد جميلك. لذلك، لاتتمسك ببقائي بجانبك ابدا،بل فكر في الأمر كثيرا، وأبلغني رأيك النهائي.وفي انتظار ذلك الوقت ،ساظل صديقتك الحنون. ف.د. 1 يوليو. إن هذا والله ضرب من الشطط، و الجنون يافارينكا! ترى، أي حماقة شذوذ فكري سخيف مسيطر برأسك،لوتركك المرء لذاتك؟! ليس هذا قرار صحيحا! لكن ،عما ينقصك عندنا؟! أننا نحبك،ونحن معا فرحان ومسروران،حسنا ماذا ستفعلين لدى البشر ؟بالتأكيد ،أنت مازلت لا تعلمين من هوالغريب....لا،أنا اعلم ذالك، ياأميمتي؛ وقد قدر ذات يوم أن تشاركت معه، بعض الخبز.إنه شرير يافارينكا،شرير،إلى الحد أن الفؤاد لايقوى على تحمل الماساة التي تتسبب فيها كتاباته و توبيخاته ونظراته الشزراء المشبعة بالشر الفظيع .أنت عندنا تشعرين بالدفء وتحظين بالعاطفة،و تحسين في دخيلائك أنك في حضن أسري صغير.وعليه،فإن ذهابك هو خسارة وسيتركنا تائهين،وكأننا جننا.ماذا سنفعل دونك؟ ألست مفيدة لنا ؟ ألسنا في حاجة إليك؟ إن فائدتك ووجودك بجانبنا والله لشئ عظيم بالنسبة لي أنا،يافارينكا.فتأتيرك شديد القوة علي ....خدي مثلا،أنا الآن في هذه اللحظة وهذا الوقت بالذات،أفكر فيك، فيصيبني الفرح والسرور ، كيف أمكنك قول إنك غير مفيدة،إذن؟ وماذا عساي أن أفعل أنا،إذا ما وصلت سن الشيخوخة؟ في ماذا سافيد؟ أنت ربما لم تفكري في هذا يافارينكا؛ لذلك،عليك أن تفكري فيه جديا إذن،قولي: ماذا عساه أن يعمل،إذا لم أعد موجودة هنا،ابدا؟لقد تعودت عليك،وإذا غادرت،فماذا سينجم عن ذلك ربما ألقيت بذاتي في نهر النيف.لينتهي أمري. وإن هذا والله موضوع سيء يا أميمتي،إنه أمر سيء ! أؤكد لك أنه حقا ذنب عظيم! وإني لأتساءل يا أميمتي،مالذي عملته، ومن أي غابة غريبة خرجت إلى الدنيا؟لست اعلم أي شيء! دعيني أقول لك بصراحة لا كذب فيها: أنا إنسان غير متعلم وتقريبا جاهل ؛لم اتلو إلى حد الآن إلا الشيءالقليل، قرأت لوح الإنسان، وهومؤلف جميل، وقرأت الفتى الذي يعزف قطعا متعددة على الأجراس، وطبور الإيبيكوس؛ هذا كل شيء، والآن ،ها أنا تلوت كتابك: عامل المحطة ؛ على المرء أن يقول يا أميمتي، بأنه قد يحدث له أن يحيا في الحياة، وهو لا يعرف بأن هناك على مقربة منه، كتابا يتضمن فى ثناباه مجموع تفاصيل عيشته، وقد سلط عليها الضوء، وما أن يبدا ويسترسل في قراءة ذلك الكتاب،حتى يأخذ في تذكرذلك الماضي، و يسترجعه ، ويستوعبه شيئا فشيئا. وثمة في النهاية شيء آخر،قرب لي كتابك: فهناك بعض المؤلفات التي عبثامانعكف على قراءتها ،باذلين قصارى العناء و الجهد لاستعاب مانقرأه،بينما نحن لا نستطيع ان نفهم في النهاية أي شيء منها . لكن كتابك أنت،يقدر من هو مثلي أن يقرأه،وقد يتخيل له بأنه هو بشخصه و بالذات من كتبه؛ وهويمتاز بالبساطة حقا، ولكم هو،- ياربي- بسيط! فلماذا لن أكتب إذن،على مثيله؟! أنا أشعر ببعض الاحاسيس والمشاعر القريبة، والشبيهة بشكل كامل بتلك الموجودة في الكتاب،ولقد عبرت أنا أيضا بالاحوال نفسها التي نجمت عنها تلك المشاعر المتماثلة لما في الكتاب مثل الوضعية الحقيقة التي عاشها سمسون فيرين على سبيل المثال. لقد تكلمت إلى لراتازاييف عن ناظر المحطة،فاخبرني ان ذلك الكتاب من بين الكتب التي أصبحت قديمة،إلا أنه أضاف بأن بوشكين يبقى شاعرا كبيرا، وبأنه قد رسم في كتاباته رسمة جميلة لروسيا المقدسة ؛ كما أضاف معلومات عنه . أجل، يافارينكا؛ أعيدي قراءة الكتاب بتركيز و عناية إذن، وأدخلي السعادة والبهجه على قلب شيخ حزين ،يتوسل إليك؛ وإذا مافعلت ذلك سيمنحك الرب نفسه ياعزيزتي الغالية، الجزاء الاكيد والمضمون. صديقك المخلص، ماكار ديفوشكين. [6يوليو. السيد ماكار ألكسسيفيتش، أنا أكتب إليك في استعجال.في هذه اللحظة، أنا منهمكة ومشغولة في تبطين قميصك بقماش تتناثر على خلفية الصفراء، ورود صغيرة. ارسل إليك بكتاب هو الآخر أضمومة تضم بين دفتيها بعض الحكايات القصيرة.قرأت أنا بعضها وإني أدعوك إلى تلاوة العناويين تلك التي تحمل عنوان " المعطف" . أنا لم أتردد على زيارة المسرح منذ فترة كبيرة، لكني اخاف أن تكلف هذه المتعة مرة أخرى الشيء الكتيروالثمن الباهظ ،إن فيدورا لا يبدر منها الإتحريك الرأس فحسب، بكيفة تنم عن عدم القبول. تقول إنك تنفق حاليا، أكتر مما تجني؛ إنما أنا نفسي رايت ذلك، إذ ما أكتر ما أنفقته من أجلي ! كن حريصا وحذرا على نفسك ياصديقي ،حتى لايتسبب لك ذلك في بعض البغضاء.كما أطلعتني فيدورا كذلك، على بعض الإشاعات التي تقال عليك :يبدو أنك تشاجرت مع ربة المنزل،لأنك لم تعد تعطيها ثمن الإيجار؛ ولكم أنا مرتعبة عليك ! هيا الى اللقاء.إني على عجلة من أمري.أنا مشغولة في تغير حاشية إحدى القبعات! : 8يوليو. عزيزتي الغالية جدا الآنسة فارفارا ألكسييفنا، أبادر على وجه السرعة إلى إرجاعك الكتاب،على وجه السرعة كذلك إلى وضعك ضمن السياق،الذي يفسر بوضح اسلوبي الخاص.من المسيء جدا أن تضعيني في مثل هذا الموقف الحرج،وأن تدفعي بي إلى هذا الموضع المغالي ،اسمحي أن أقول لك اولا:إن الله عز وجل هو الذي يخطط أقدار الناس ومصائرهم المتعددة،ياأميمتي.تلك هي إرادة الله في عباده، ومشيئته العليا التي ما علينا نحن الناس ،سوى الإيمان بها في خضوع تام و هدوء.و، وهكذا دواليك؛ إن الله بنفسه هو الذي حدد تلك القدرات والاستعداد للناس.أنا على سبيل المثال،أشتغل مستعملا منذ حوالي ثلاثين عاما ،وأقوم بواجابتي بطريقة لا مؤاخذة لاحد عليها ،وسيرتي طيبة،ولم يحصل أن أخد علي أي شيء قبيح من الأشياء، انعم بتقدير رؤسائي، و صاحب المعالي بنفسه راضي عني إن خطي أنيق وواضح بشكل صحيح أنه ليس بالخط الكبير ولا بالدقيق، وإنما يتخلله بشكل واضح طابع يتم عن العجلة والسرعة، لكنه مع ذللك خط مقنع ومؤثر ؛ وليس في مؤسساتنا من أحد آخر،عدا إيفان بروكوفييفيتش،يكتب بمثل اسلوبي و افضل! لقد وخط الشيب شعر رأسي، من طول ما عملت و نافست ؛ ولا أذكر إلى الآن أني أرتكبت ذنبا فاحشا عظيم! بالتأكيد أنا اقترفت بعض الذنوب الصغيرة، إنما من الذي ينجو من اقترافها؟!كل الناس خطاؤون؛ لكن ،أن افعل أثما عظيما، أن أخرق شريعة من الشرائع ، أن أزعج السكينة العامة أن أقلق طمأنينة الناس، ؛ فإن هذا مما لا يقدر أي كان أن يؤاخذني عليه ! بفضل هذا انا على وشك على أن يقترح اسمي؛ لنيل وسام صغير حسبي!.... كل هذا كان عليك أن تعرفينه به يا أ ميمني، وكان عليه؛ في الدقيقة التي نوى فيها رسم صورة شخصيه لي،ألا ينسى من ذلك.لا،يافارينكا! لم أكن أنتظر على كل حال،أن يبدر منك شئ ،أنت بشكل خاص! وكيف ؟! لن يستطيع المرء أبدا،بعد هذا من العيش بشكل ساكن في ركنه الركين، ودون أن يؤدي الشخص شخصا آخر،يخشى تعاليم ربه، ويلتزم حدود ذاته! ثمة دائما من يهتم بك،ومن يحشر أنفه ليعلم ما يضمه بيتك ،ومن يراقب ويتجسس على حياتك الشخصية،لكن، ما الحاجة إذن،في أن يكتب الانسان عن قريبه،بأنه يعيش أحيانا في الضائقة، وهل سأندفع أنا باتجاه البشر، لفحص أفواههم و لارى مايأكلون؟! ومن هو ذلك الذي سمحت لذاتي بأن أسلك إزاءه هذا السلوك غير اللائق والمشين ؟ لا ،يا أميمتي! من الإساءة أن نجرح عواطف الآخر حين لا يفعل لنا ما يغضب أو يشين .لكني انصدم مع ذلك،لكون صاحبنا فيدور بيجوفيتش،قد سمح دون علم منه،بصدور هذا الكتاب،إذ عليه أن يعرف الناس كيف يتعين عليهم أن يحترموا مبادئ العيش،التي يلزمهم الاستسلام لها؛ بما أن هناك درجات مختلفة في السلم الإداري البيروقراطي، فإنه من العادي أن تكون نبرة التوبيخ تجاهنا مختلفة؛ حتى يستمر العالم، أن يفرض احترامه على من هو أقل منه رتبة أو منزلة وعلينا جميعا أن نشتم بعضنا بعضا،من أعلى السلم إلى أسفله ،دون هذا التقدير،لن يستمر العالم في البقاء أبدا؛ وإن يكون هناك أي نظام.لذلك فإني انصدم في الحقيقة، لكون فيدورفيدوروفيتش قد اقفل عينيه وعماها عن هذه الإساءة،حين ترك هذا الكتاب الجارح الهجائي يصدر! وأي شيطان وسوس لذلك المؤلف، إذن،بأن يكتب مثل تلك المواضيع؟! وهل يبعث في قارئ من القراء بمنحنى آخر جديد، هل سيشتري لي ربما،حذاء حديثا؟!لا ،يافارينكا! إن الناس ستقرأ الحكاية إلى نهايتها فحسب، وستطلب معرفة التفاصيل. أحيانا ،يختفي المرء عن كافة العيون، ويتوارى وكأنه مخطئ،لأنه يخاف من كلام الناس ، مادام أن الآخرين ينتظرون أدنى فرصة سانحة كي يجعلوا منه موضعا لتندرهم وسخريتهم، لأن صورته المرسومة في الكتاب،شبيه جدا بصورته الحقيقية،حتى أن الناس ليعلمونه من مجرد مشيته فقط! ولعل هذا الأمر سيكون لو أن الكاتب قلل في النهاية، من حدة تخيله لكن الكاتب، كان من الاحسن أن يترك صاحبنا المسكين يحيا حياته، وأن يقرر له كثيرا آخر يستعيد من خلاله علمه،وأن يجعل ذلك الجنرال فيدورفيدوروفيتش، ،أن يبعث في طلبه المحظور إلى مكتبه، وأن يريقه إلى اعلى درجة ،وأن يكون على بقية العاملين الآخرين،سوى أن يرتدعوا ويعتبروا ، وأن يكفو عن غيهم. بهده الخاتمة كنت أنا مثلا ،سأنهي الحكاية.إنه يافارنيكا كتاب سيء طويه؛ مايحكيه من غير الممكن احتماله ،لا،أنا سأشكو ذلك إلى السلطات يافارينكا،لقد خططت وعملت على أن أرفع شكوى ضد ذالك خادمة المخلص، ماكاردييفوشكين. : يوليو 27 السيد ماكارألكسييتفيتش، كانت الأحداث الأخيرة رسائلك أيضا، قد تشغلني و ادهشتني؛ فأنا ما فهمت منها الا شيئا قليلا ،اللهم ما قالته لي فيدورا،ففسر لي كل شيء .لماذا أنت حزين هكذا،إن تبريرات التي تعلل بها الأمر لم تمنعني،بشكل مطلق.ألست إذن محقة في الرضا ب المنصب النحوي،الذي أقترح علي ؟! زد على ذلك أن مغامرتي الأخيرة تشغل راسي،أنت تقول بأن عطاك علي هو الذي دفع بك إلى إخفاء الصدق عني.والآن،بعدما عرفت بأنك لن تعد تملك أي مال ابدا،وبأنك قد قررت أن تنفق مخصصك الشهري،وذهب بك الموضوع إلى الحد بيع ثيابك ،والآن،أجد نفسي وحالى بفعل هذا الاكتشاف الذي اطلعت عليه،في وضعية جد كئيبة وحزينة،آه،ياماكار ألكسييفتيش!كان عليك بعدما عبرت لي عن مشاعر الشفقة وحس التضامن العائلي والرأفة ، من خلال أعمال الخير الأولى،التي قمت بها من اجلي،أن تتوقف ،وألا تنفق وتبذر من نقودك بعد ذلك، في الأمور غير مفيدة،لقد خنت صداقتنا يا ماكار ألكسييفتش،لأنك لم تكن صادق معي؛والآن لما استوعبت بأنك أنفقت آخر ما تملكه من المال ،في سبيل شراء بعض أمور السكاكر والزينة،ولكي توفر لي بعض أجواء الرحلة وتذاكر المسرح والكتب؛فإذا بجميع ماكنت تريد في أن تسعدني به،قد انقلب الآن إلى بؤس وحزن بالنسبة لي، ولم يخلف خلفه سوى حسرات وآهات كبيرة .لقد لاحظت في الأيام الأخيرة توترك وقلقك؛ حين حكت لي فيدورا بأنهم لاقوك في الشارع،وأنت في حالة سكر واضح، وقد رافقتك الشرطة إلى المنزل! لقد صعقت وشللت من أثر الصدمة الشديدة،بنظر إلى أنك قد اختفيت عن الاعين منذ أربعة أيام. فهل فكرت فيما سيقول مدرائك ياماكار ألكسييفتيش، حين يتلقون النبا الحقيقي ،تقول أن الكل يسخرويهزأ منك، وبأن الجميع يعرف بأمر علاقتنا، وبأن جيرانك الاخرون ايضا يربطون في مزاحهم بين اسمي و اسمك ،ثم أني لمنشغلة البال بقصة هؤلاء الضباط كذلك،إذ سمعت بها بشكل غامض.لذا ،أرجو منك أن تقول لي ماذا يعني كل ذلك،لقد كتبت تخبرني بأنك لم تجرؤ على الكشف ومصارحتي،وبأنك بعت كل شيء كي تجلب لي حاجياتي، وتجنبني الخروج إلى المستشفى؛ وبأنك استندت ماأمكن لك أن تستدينه ؛ وبأنك تلاقي كل يوم مجموعة من الازعاجات من طرف ربة المنزل ؛إلا أنك حين أختفيت عني كل هذه الفترة، أخترت اسوأ الحلول . فاحزنتني لمرتين الان ،بفعل تصرفك ذاك.لقد ادهشني وافزعنى كل هذا منك،يا صديقي! إن البؤس لمرض معد! على الاشقياء الفقراء أن يقدروا بعضهم البعض،حتى السويداء من حدة اوجاعهم.لقد تسببت لك في اوجاع والالام شديدة ، قد تعذبني وتقتلني.وألأن،أكتب لي بصدق تام ما حدث لك،وكيف انتهيت إلى التصرف بمثل ذلك التصرف ووصلت الى هذا الحال .ارحني. الوداع،أنني أنتظر ردك بصبر ،لقد أخطأت الاعتقاد بي، يا ماكار ألكسييفتيش. المخلصة والمحبة. فارفارادوبروسيلوفا. ]: أغسطس. أميمتي،فارفارا ألكسيفنا، إنك يا أميمتي لهنيئة جدا،فليهبك الله فرصة رد الإحسان بالإحسان،لترجعي لي معروفى وجميلي. أنا موقن من هذا يافارينكا،إنما هذا ليس بمثابة توبيخ أو لوم لك،لا تلوميني فحسب بعد هذا،مثلما فعلت في المرات الماضية،حين لمتني قائلة بأني اصبحت مبذرا مختلفا،في أواخر اوقاتي.فقد بدرمني ذلك الخطأ،فما العمل ؟إذا اردت أن تري بشكل كلي في هذا خطيئة،فإن فؤادي عاليا بشكل كامل.إن الفقراء لذوي نهفات ونزوات، وقد شائت الطبيعة أن يكنوا كذلك.لقد رايت من قبل هذا ،و علمته.إن الفقير ل ظنون و مرتاب ،بل إن له طريقة خاصة في النظر الى العالم انه يلقي على جميع ما يحيط به نظرة مشككة ذات ريبة ،ويصيغ السمع لكل عبارة، معتقدا أن الناس تتكلم عنه دائما، وتنتقد مظهره الخارجي البسيط.ويعلم الكل يافارينكا،بأن الإنسان المعدم الحال أقبح من خرقة بالية،وأنه مهما كتب عنه ما كتب , لا يمكن أن يتمتع بأي اعتبار، أجل،مهما كتب هؤلاء الثرثارة المستهدفون البائسون ،فإن وضعية الفقير لن تتبدل.ولماذا ستظل إذن ،تلك الوضعية على ماهي عليه؟ الإنسان الفقير أن يوضع مكشوفا لعين النهار؛لأنه من المحظور عليه أن ينعم بحياة خاصة،وأن يتمتع بكرامته الخاصة. كذلك لا يحب الإنسان المعدم أن يحشر أحد ما أنفه في جاره، ويمتحن الكيفية التي يحيا بها: هكذا.فلم أتعرض أنا للذل يافارينكا،من طرف أعدائي الذين نالوا من احترام رجل طاهر شريف، ومن كبريائه؟اليوم كنت أبدوا وأنا في المكتب،بمظهر دب تعري من شعره، وشعرت بالخجل الشديد من ذاتي.لقد كنت قلقا،إن المرء يشعر الانزعاج طبعا،حين يخرج مرفقات من كمي الرداء الذي يرتديه ، وحين تتأرجح أزرا قميصه،!... لقد أخد ستبيان كارلوفتيش بالذات في التكلم إلي عن بعض الاشغال اليوم؛ أخد يتحدث ويتحدث،ثم أضاف بعدها، وكأنما فعل ذلك بشئ من الصدفة : "إيه،ياأنت،ياماكار ألكسييفتيش! ..."،ولم يكمل حديثه،إن تعجبه بتلك الصيغة ويوحي بأفكار كبيرة.أتراهم علموا وخبروا عني في العمل،شيئا ما؟ احفظني الله! ترى، إن هؤ
...
[Message clipped] Entire message not available offline
|
Friday, 9 August 2019
the poor dostofesky
Subscribe to:
Posts (Atom)