Wednesday 6 November 2024

ابو المناعة

في البدء أحب أن أعرف التطعيم أو اللقاح 

إن التطعيم: 
هو تقوية المناعة بتعريف الجسم عن الميكروبات أو الفايروس قبل الإصابة به وبذلك يصنع الجسم أجسام مناعي حمايته عند الإصابة بنفس الميكروبات التي تم التلقيح بجرع صغيرة منها. للوقاية من الموت 

التطعيم:
إدوارد جينر وحالِبة اللبن ومرض الجُدَري
يسهم البنسلين والسلفانيلاميد وغيرهما من الأدوية المضادة للبكتيريا في إنقاذ حياة ملايين البشر كل يوم.

 ولكن ربما لعب الأثر الوقائي للتطعيم، وهو اكتشاف عرضي آخر، دورًا مهمًّا في إنقاذ حياة المزيد من البشر من خلال وقايتهم من الإصابة بالأمراض.

حتى القرن التاسع عشر، كان مرض الجُدَري من الأمراض الخطيرة التي تُودي بحياة أعداد كبيرة من البشر، ولم يكن يتساوى معه في درجة الخطورة ونسبة الوفيات إلا مرضَا الطاعون والملاريا. و لمكافحة مرض 
 باستخدام مادة الكينين والعقاقير المُصنَّعة المضادة للملاريا، و أن المبيدات الحشرية مفيدة أيضًا في القضاء على أنواع البعوض التي تحمل المرض. أما عن الطاعون، فقد أُحكِمت السيطرة عليه أخيرًا في الدول المتقدمة من خلال مراعاة الأصول الصحية والوقائية بعد أن اكتُشِف أن المرض ينتقل عن طريق البراغيث الموجودة على الجرذان.


في الشكل المرفق وهو شكل ٦-١ من المصدر : إدوارد جينر يرى ندبات بسبب جُدَري البقر على يد سيدة تعمل في مجال حلب الألبان.
يرجع الفضل إلى إدوارد جينر في «ما قدَّمه إلى العالم من لقاحٍ أنقذ ملايين البشر من موت محقق بسبب مرض الجُدَري، وملايين أخرى من تشوُّه فظيع في شكلهم»، وذلك وفقًا لما كتبه إي إل كومبير في مقاله المنشور عام ١٩٥٧ بعنوان «البحث والسرنديبية وجراحة العظام». أضاف كومبير:
لم يكتشف جينر لقاحَه نتيجةً لعمل طويل ومجهد في المعمل. ففي سن التاسعة عشرة، قالت له سيدة كانت تعمل سابقًا في حلب الألبان إنها لا يمكن أن تصاب بالجُدَري؛ لأنها أُصِيبت من قبلُ بجُدَري البقر، فتذكَّرَ جينر تلك المقولة عندما أدرَكَ لاحقًا بعد أن صار طبيبًا عدم جدوى محاوَلَة علاج مرض الجُدَري. بحث جينر الأمر ووجد أن السيدات اللاتي يعملن في حلب الألبان لا يُصَبن تقريبًا بمرض الجُدَري، حتى عندما يساعِدن في تمريض المصابين بالمرض. وواتته فكرةُ تطعيم المرضى بمادة مستخلصة من بثور جُدَري البقر حتى يقيهم من الإصابة بمرض الجُدَري الأكثر خطورةً. وكانت هذه سرنديبية حقيقية؛ ففكرة أن الإصابة بمرض جُدَري البقر تعطي مناعةً ضد الإصابة بالجُدَري واتته دون بذل جهد من جانبه. ولكن كل ما هنالك أنه كان لديه الإدراك السليم الذي مكَّنَه من إدراك قيمة تلك الفكرة والاستفادة منها.

وُلِد إدوارد جينر في بيركلي، جلوسترشير في عام ١٧٤٩، وكان ابنًا لكاهن إنجليزي مات بينما كان جينر في السادسة من عمره. تربَّى بمساعدة أخ أكبر له، وتلقَّى تعليمه المبكر في المدارس المحلية حيث أظهر اهتمامًا كبيرًا بالتاريخ الطبيعي، وبدأ دراسته للطب على يد دانيال لودلو، وهو جرَّاح من سادبيري، بالقرب من بريستول. وفي ذلك الوقت، ألهمته سيدة تعمل في حلب الألبان بفكرة وجود علاقة بين جُدَري البقر والجُدَري.

عندما بلغ الحادية والعشرين من عمره، انتقل إلى لندن ليتتلمذ على يد طبيب شهير يُدعى جون هانتر. عاش في منزل هانتر لمدة عامين، واستعان به السير جوزيف بانكس في تجهيز وتنظيم العينات الحيوانية التي كان بانكس قد جمعها في رحلة كابتن كوك البحرية الأولى في عام ١٧٧١. وعُرِضتْ عليه وظيفة اختصاصي تاريخ طبيعي في رحلة كوك الثانية، لكنه رفض ليتابع ممارسته للطب في بيركلي ولاحقًا في تشيلتنم. كان مهتمًّا بعلم الطيور والجيولوجيا والموسيقى وكتابة الشعر، ولكن بحلول عام ١٧٩٢ قرَّرَ أن يقصر اهتمامه بصفة أساسية على الطب، ومُنِح درجة الماجستير من جامعة سانت آندروز.

في تلك الأثناء، لا بد أن فكرة التطعيم كانت قد اختمرت في ذهنه؛ فبينما كان في لندن ذكر العلاقة بين جُدَري البقر والجُدَري لهانتر، لكنه لم يُبْدِ اهتمامًا كبيرًا بها. وفي عام ١٧٧٥، بدأ جينر دراسة اعتقاد أهل الريف في جلوسترشير عن جُدَري البقر، وبحلول عام ١٧٨٠ كان قد اكتشف وجود نوعين مختلفين من جُدَري البقر، ونوعًا واحدًا فقط من الجُدَري تتوافر الوقاية منه. واكتشف أيضًا أن الشكل الفعَّال من جُدَري البقر لم يكن يقي من الإصابة بالجُدَري إلا عندما يُنقَل إلى المريض في مرحلة معينة من الإصابة بالمرض.

ونظرًا لأنه لم تكن لديه حالات إصابة عديدة بجُدَري البقر في منطقته، لم تكن لديه فرصة كبيرة لاختبار نظرياته. فرسَمَ يدَ سيدة تعمل في حلب الألبان على يدها بثور (أو حويصلات أو ندوب) بسبب الإصابة بجُدَري البقر، وأخذها إلى لندن لعرضها على الأطباء هناك، ولكنهم لم يفهموا المغزى من أفكاره. لكن في مايو ١٧٩٦، حقن صبيًّا عمره ثمانية أعوام يُدعَى جيمز فيبس بمادة مستخلصة من بثور جُدَري البقر من يد سيدة تعمل في حلب اللبن. وفي شهر يوليو التالي، تم حقن الصبي بعناية بمادة خاصة بالجُدَري، وكما توقَّعَ جينر: لم يُصَبِ الصبي بالجُدَري.

إنَّ المرء ليتساءل متعجبًا كيف أقنع جينر الصبي ووالدَيْه بخوض تلك المخاطرة؟! ربما كان مرض الجُدَري متفشيًا في المنطقة في تلك الفترة. طُرح تفسيرٌ ممكن لذلك في مقال عن المناعة في موسوعة «إنسيكلوبيديا بريتانيكا» (طبعة ١٩٦٢، مجلد ١٢، صفحة ١١٦)، نصه كالتالي: «قبل اكتشاف لقاح الجُدَري في عام ١٧٩٦، كان الناس يخضعون للتطعيم ضد مرض الجُدَري عن طريق حقنهم بمادة تُؤخَذ من الطفح الجلدي لأشخاصٍ مصابين بالمرض. وكان بعض الأشخاص الذين يخضعون لهذا التطعيم يُصابون بالمرض، ولكن نظرًا للخوف الشديد من الإصابة بهذا المرض كان الكثير من الناس يفضِّلون الاحتمالَ الأقل للموت من جراء التطعيم عن الإصابة بالشكل الطبيعي المميت الأكثر احتمالًا.»

كانت النتيجة الإيجابية التي توصَّلَ إليها مع فيبس مشجِّعةً جدًّا لجينر، لكنه انتظر إلى حين إجراء تجربة ثانية قبل الإعلان عن اكتشافه. وتم هذا بعد عامين لأن مرض جُدَري البقر اختفى بصفة مؤقتة في جلوسترشير.

بعد نجاح التطعيم الثاني بمرض جُدَري البقر وما تبعه من الوقاية من الإصابة بمرض الجُدَري، أعَدَّ جينر نشرةً للإعلان عن اكتشافه، لكنه قرَّرَ الذهاب إلى لندن أولًا ثم تكرار التجربة هناك، لكن في لندن ولمدة ثلاثة أشهر لم يجد شخصًا يمكن أن يخضع للتجربة. ولكنه ما إن عاد إلى موطنه، حتى أجرى هنري كلاين — وهو أحد الأطباء البارزين في مستشفى سانت آندروز في لندن — عدة تجارب تطعيم ناجحة، وأخبر المجتمع الطبي هناك بمدى فاعلية الوقاية من مرض الجُدَري باستخدام لقاحٍ من جُدَري البقر.

مع ذلك، تأخَّرَ القبول العام لنجاح إجراء التطعيم الخاص بجينر؛ وذلك نظرًا لتحدِّيَيْن مختلفين؛ أولًا: النقد الشديد الذي تعرَّضَ له من جانب جرَّاح بارز يُدعَى جيه إنجينهاوس، وانحياز البعض ضده لفترة من الوقت. ثانيًا: سعى طبيب متهور يُدعَى جورج بيرسون إلى أن ينسب الفضل إلى نفسه في تطوير اللقاح دون معرفةٍ أو خبرة كافية، وقدَّمَ مادة تطعيم ملوَّثة تسبَّبَتْ في ظهور حالات طفح جلدي عديدة تُشبِه تلك الخاصة بمرض الجُدَري. أثبت جينر أن لقاح بيرسون كان ملوَّثًا، وانتشرت أخبار نجاح مادة لقاح جُدَري البقر النقية على مستوى العالم.

انهال التكريم في النهاية على جينر، وذلك كما يتضح من خلال القائمة التالية: تأسيس جمعية جينر الملكية في عام ١٨٠٣ للنشر الصحيح للقاح جينر في لندن، وحصول جينر على درجة الماجستير الفخرية من جامعة أكسفورد عام ١٨١٣، والاحتفال بالذكرى السنوية لأول عملية تطعيم ناجحة (التي أُجرِيت على الصبي جيمز فيبس) لعدة سنوات كعيد في ألمانيا، وحصول جينر على منحة من وزير الخزانة في إنجلترا قدرها ٢٠ ألف جنيه، ومَنْح الهند مبلغ ٧٣٨٣ جنيهًا له، وعمل تمثالٍ لجينر في جلوسترشير ولندن. كما قيل إن نابليون قد أمر بنفسه بإطلاق سراح أسيرين إنجليزيين عندما قيل له إن جينر توسَّطَ من أجل إطلاق سراحهما، وقال: «إننا لا يمكن أن نرفض أيَّ طلب لهذا الرجل.»

تعقيب
لم يستخدم جينر كلمة «تطعيم» vaccination ولكن «الحقن بالمادة المستخلصة من بثور جُدَري البقر» variolae vaccinae. ولمدة قرن تقريبًا، كان التطعيم باستخدام لقاح جينر المستخلص من بثور جُدَري البقر الإجراءَ الوحيد للتحصين ضد أي مرض.
في عام ١٨٨٠، طوَّرَ لوي باستير تطعيمًا للدواجن ضد شكل من أشكال مرض الكوليرا، الذي كان وباءً دمَّرَ ١٠٪ من الدواجن الفرنسية. فقد عزل نوعًا من البكتيريا من هذا المرض، وعن طريق زرع شكل مُوهَّن منها وتطعيم دواجن المزرعة به، حصَّنَها ضد الهجمات الشرسة للمرض. وكان هذا مُشابِهًا تمامًا، من حيث الفكرة، لتطعيم جينر المستخلص من جُدَري البقر؛ الذي يُوهَّن فيه فيروس الجُدَري في البقرة قبل نقله إلى السيدة التي تعمل في حلب اللبن في شكل جُدَري بقر.

تحوَّلَ باستير بعد ذلك إلى مرض الجَمْرة الخبيثة، وهو مرض يصيب الماشية والأغنام، وفي عام ١٨٨١ عزل باستير البكتيريا العصوية. وزرع تلك البكتيريا في درجة حرارة أعلى من درجة حرارة جسم الحيوان لإنتاج مادة تطعيم تُحدِث هجمة متوسطة من مرض الجَمْرَة الخبيثة في الحيوان وتُكسِب هذا الحيوان مناعةً لبعض الوقت ضد أية هجمة عنيفة من المرض. واقترح باستير إطلاق كلمة vaccination على الإجراء العام للتطعيم الوقائي (والمشتقة من كلمة variolae vaccinae التي استخدمها جينر) تقديرًا منه «للجهود والخدمات الجليلة التي قدَّمَها جينر الذي يُعَدُّ أحدَ أعظم العلماء الإنجليز.»
بعد ذلك بأربعة أعوام، طوَّرَ باستير لقاحًا للمرض الذي يُسمَّى داء الكلَب في الحيوانات و(أحيانًا) رُهابَ الماء في البشر. ونظرًا لعمل باستير الرائد الذي اعتمد على الاكتشاف السرنديبي الذي قام به جينر؛ أصبح التطعيم علمًا مفيدًا جدًّا، ومهَّد الطريق لإحداث ثورة في التعامل مع الأمراض المُعدية. ولا يوجد إسهام آخَر غير هذا — باستثناء اختراع المضادات الحيوية — له أثر عميق على صحة البشر. يرى دبليو آر كلارك في كتابه «الأسس التجريبية لعلم المناعة الحديث» (١٩٨٦) أن «أهم إنجازات عملية التطعيم» هو القضاء نهائيًّا على مرض الجُدَري. ففي النصف الأول من القرن العشرين، كانت حصيلة الوفيات سنويًّا من هذا المرض تتراوح ما بين مليونَيْ وثلاثة ملايين شخص، وقد سُجِّلت آخِر حالة إصابة بالجُدَري في الولايات المتحدة في عام ١٩٤٩، وكانت آخِر حالة إصابة في العالم في الصومال في عام ١٩٧٧.


اخوكم

             الدكتور 

     سيف علاء القيسي

تفصيل المناعة



المناعة المكتسبة 

Acquired (Adaptive) Immunity:


يستطيع جسمنا محاربة أغلب العوامل الممرضة، ويعود جزء كبير من الفضل في ذلك إلى المناعة التي نكتسبها بعد التعرّض للعامل الممرض. وهي مناعة نوعية أي أنّها تختلف وفقاً لنوع العامل الممرض ومتخصصة تجاه أنواع محددة من هذه العوامل. وتتكون من نوعين أساسيين هما:

أولاً - المناعة الخلطيّة
الأجسام المناعية البروتينية 

Humoral Immunity: 

وتسمّى بمناعة الخلايا البائيّة، ويطوّر الجسم فيها أجساماً مضادّة تدور ضمن بلازما الدم تسمّى الغلوبيولينات المناعيّة Immunoglobulins .

ثانياً - المناعة الخلويّة

Cell Mediated Immunity: 

وتسمّى بمناعة الخلايا التائيّة، وتعتمد على مهاجمة الخلايا التائيّة للعوامل الممرضة.

مولّدات الضدّ

Antigens :

لا تُتولد المناعة المكتسبة إلّا بعد التعرّض لمولدات الضد، والتي هي عبارة عن موادّ موجودة في العامل الممرض تحرض الاستجابة المناعيّة. ولا يتفاعل الجهاز المناعي مع مولّد الضدّ بكامله، بل على مواقع محدّدة منه تُدعى الحواتم Epitopes وتتكون من 4 أو 5 أحماض أمينيّة أو من سكَّريات متعددة تحَدد نوعية مولّد الضد.
وتمتلك الأجسام المضادّة Antibodies أربع سلاسل ببتيديّة Polypeptide سلسلتان طويلتان وسلسلتان قصيرتان تملك مواقع متحركة ومواقع ثابتة. وترتبط بالحواتم من خلال المواقع المتحركة.

أولاً - المناعة الخلطيّة:
- الخلايا البائيّة:
ترتبط الخلايا البائيّة بمولّد الضد وتتحول إلى خلايا بلازمية تُطلق أجساماً مضادّة ترتبط بنوع معين من مولدات الضد،
وتدخل الدم وتسمى الغلوبيولينات المناعيّة.
- أنواع الغلوبيولينات المناعيّة:
IgM تتكون من 5 وحدات أساسيّة، تشكل حوالي 10% من غلوبيولينات الدم. وهي الأهم في الاستجابة الأوّليّة. لا تستطيع عبور المشيمة بسبب حجمها الكبير لذا يعد تواجدها في دم حديثي الولادة علامة على وجود عدوى داخل الرحم. 
وظيفتها الالتصاق 
Agglutination وإتمام التفعيل.
IgG تتكوّن من وحدة أساسيّة واحدة، وهي الأكثر وفرة في الدم والسائل خارج الخلوي. وهي الوحيدة القادرة على عبور المشيمة ممّا يوفّر مناعة لحديثي الولادة خلال الأشهر الأولى من حياتهم. تُنتج بكميات كبيرة عندما يتعرض الجسم لنفس مولد الضد مرة أخرى.
IgE تتواجد بكمّيات ضئيلة في مصل الدم وتتحد بمستقبلات على سطح الخلايا البدينة Mast Cells والأساسية (نوع من الكريات البيض) وتلعب دوراً مهمّاً في تفاعل الحساسيّة.
IgA ولها نوعان: يتواجد الأوّل في الدّم ويشكّل حوال 10-20% من الغلوبيولينات في الدم. ويتم إنتاج الثاني في بلازما الغشاء المخاطي ويوجد في الإفرازات المخاطيّة للجهاز الهضمي والتنفسي والبولي التناسلي، كما يوجد في لبأ الأم والدمع. تقوم بتوفير مناعة موضعية على سطح الأغشية المخاطيّة.
IgD يوجد على سطح الكثير من الخلايا البائية، نسبته أقل من 1% في الدم. يعمل كمستقبل لمولدات الضد (BCR).

- الاستجابة الأوليّة والثانويّة للأجسام المضادّة:
تحدث الاستجابة الأوّليّة عند تقديم مولد الضدّ لأوّل مرّة، حيث يبدأ إنتاج الأجسام المضادّة خلال 7-10 أيام، وهو الوقت اللازم لتفعيل وتكاثر الخلايا البائيّة وتمايزها إلى خلايا بلازما قادرة على إفراز الأجسام المضادّة. بينما تحدث الاستجابة الثانويّة عند التعرّض اللاحق لمولّد الضد نفسه. حيث تكون خلايا الذاكرة التي تمَّ توليدها عند التعرّض الأوّل فعّالة فيمكن توليد الجسم المضاد خلال فترة قصيرة، ويكون مستواه أعلى بعشر مرّات من مستواه في الاستجابة الأوّليّة، ويستمر بمستوياتٍ عالية متناقصاً ببطء على مدى أشهر. وترتفع الاستجابة لمستويات أعلى بعد التعرّض لمولد الضدّ لأكثر من مرّة، وهذا هو سبب إعطاء أكثر اللقاحات على جرعاتٍ متعددة.

- وظائف الأجسام المضادّة:
- التحييد Neutralization: تثبط الأجسام المضادّة قدرة العامل الممرض على العدوى، أو سمّية جزيء سام وذلك عبر الارتباط بها، وبالتّالي منعها من الارتباط بالخلايا المستهدفة.
- الالتصاق Agglutination: ترتبط الأجسام المضادّة بمولد ضد معيّن، مما يؤدّي إلى التصاق مولدات الضد فيمنع انتشارها ويحفّز إزالتها بآليّات أخرى كالبلعمة مثلا.
- تعزيز البلعمة Opsonization الطهاية: تمتلك البالعات مستقبلات تستطيع الارتباط ببروتين الجسم المضاد الذي يغطّي العامل الممرض. هذا يحفّز البلعمة والقتل الخلوي للجسم المضاد بواسطة البالعات.
- تفعيل المتتمة Complement system: قد تفعّل الأجسام المضادة المرتبطة بالعامل الممرض، وحين ارتباطها بأول عامل من عوامل المتممة تتفعل سلسلة المتممة وتسبب تحلل الخلية بالآلية نفسها (عبر تشكيل فجوة في الغشاء).
-تعزيز القاتلات الطبيعيّةNatural Killers : تمتلك القاتلات الطبيعيّة مستقبلات للأجسام المضادّة، والتي ترتبط بجسم مضاد مرتبط بمولد ضد على الخليّة المستهدفة وتعزّز التصاق الخلايا غير الطبيعية بالخلايا القاتلة.

ثانياً - المناعة الخلويّة:
- الخلايا التائيّة:
يتمّ اختبار قدرة الخلايا التائيّة على مهاجمة مولّدات الضد دون أن تقوم بمهاجمة خلايا الجسم في الغدّة الصعتريّة (التيموس)، وتنتقل الخلايا الناجحة إلى العقد اللمفاويّة، بينما تقتل الخلايا الفاشلة بالموت المبرمج Apoptosis. وتدافع الخلايا التائية عن الجسم ضد البكتيريا والسرطان وتتفاعل مع الخلايا مباشرة.
لكي تبدأ الخلايا التائيّة عملها يجب أن تتفعّل، وذلك عن طريق خلية تقدّم مولّد ضد تعرفه عبر مستقبلاتها، ولا يمكن أن تتعرّف على مولّد الضد إلا عندما يكون محمولاً على معقد التوافق النسيجي MHC على سطح الخلية المقدمة لمولد الضد APC. يندمج مولّد الضد في الخليّة المصابة بمعقد التوافق النسيجي MHC فيظهر المعقد بكامله على سطح الخليّة، وترتبط الخليّة التائيّة بمولّد الضد عن طريق مستقبِلها.

- جزيئات سطح الخلايا التائية:
إضافة إلى دورها في التعرف على مولد الضد والتفاعل مع الخلايا الاخرى، فإنّ بعض هذه الجزيئات يعمل كمحددات Markers تساعد في تمييز الخلايا التائية وانقسامها وأهمّها:
-مستقبل الخليّة التائيّة (TCR) يتكون من سلسلتين ببتيديتين Polypeptide تسميان ألفا وبيتا، تشبهان جزيئات الجسم المضاد.
-جزيئات CD3 توجد بالقرب من TCR على كل أنواع الخلايا التائية، وتشارك في نقل الإشارات من الـTCR إلى داخل الخلية.
-جزيئات CD4 وCD8:
- خلايا تائيّة مساعدة (CD4) وظيفتها الأساسيّة مساعدة الخلايا الأخرى في الجهاز المناعي عبر إفراز السيتوكينات Cytokines .
- خلايا تائيّة قاتلة (CD8) وظيفتها الاساسية قتل الخلايا المصابة والورمية وغيرها ممّن تحمل مولد ضدٍّ تستطيع التعرّف عليه على سطحها.
كما ترتبط جزيئات CD4 و CD8 بالـ TCR أثناء التعرف على مولّد الضد، فهي بالتالي مستقبلات مساعدة. تعدُّ الإشارة الواردة عبر مستقبل الخليّة التائيّة بالإضافة إلى الجزيئات المذكورة الإشارة الأولى التي تفعل الخلايا التائية. وهناك أنواع كثيرة من الجزيئات على سطح الخلايا التائية لا متسع لذكرها جميعها.

- أنواع الخلايا التائيّة:
- تائية مساعدة (Th) تنظّم الاستجابة المناعيّة، وتفرز السيتوكينات التي تعزز تفعيل البالعات والخلايا القاتلة والكابحة.
- تائية قاتلة (Tc) تستجيب فوراً للمناعة الخلوية وتقتل الخلايا الغريبة والورمية.
- تائيّة كابحة Suppressor: تثبّط عمل الخلايا البائيّة والتائيّة القاتلة والمساعدة بعد قيامها بعملها، وتقوم بتنظيم نسبة الأجسام المضادّة في الدّم.

- الخلايا المقدّمة لمولّد الضد APC:
وهي خلايا قادرة على تقديم مولّد الضد للخلايا التائيّة، وهي:
- الخلايا التغصنية Dendritic cells: وهي أهمّ الخلايا المقدّمة لمولّد الضد وأكثرها فاعليّة، وتسمّى بهذا الاسم لوجود نتوئات سيتوبلازمية فيها تسمّى تغصنات. تتواجد في جميع أنسجة الجسم تقريباً.
- الخلايا البلعميّة الضامّة Macrophages: وهي خلايا بالعة في الأساس وهي أساسية في المناعة المتأصّلة. وتساهم في المناعة المكتسبة عبر تقديم مولّدات الضد.
-الخلايا البائيّة B-Cells: وهي معروفة باستجابتها المناعيّة الخلطيّة ولكن بإمكانها أن تقوم بتقديم مولدات الضدّ أيضاً.

- معقّد التوافق النسيجي MHC:
يوجد نوعان من معقد التوافق النسيجي، وهما:
-النوع الأول MHC-1: عبارة عن بروتين سكري Glycoprotein يتواجد على كافّة الخلايا تعرفه الخلايا التائيّة القاتلة فقط. ويؤدي ارتباطها فيه إلى تدمير الخليّة عندما يغزوها جسم غريب.
-النوع الثاني MHC-2: وهو بروتين سكري تعرفه الخلايا التائيّة المساعدة فقط. يتواجد على سطح الخلايا البائية والتائيّة القاتلة والبالعات الضامّة. يساعد على تحفيز نشاط الجهاز المناعي عند مواجهته لمولّد الضد.

- آليّة عمل الخلايا التائيّة:
دور معقّد التوافق النسيجي:
بمجرد دخول العامل الغريب تبدأ الخليّة بتشكيل بروتينات جديدة له. تتجزّأ هذه البروتينات وترتبط بمعقّد التوافق النسيجي الأوّل MHC-1 ثم تُقدّم جزيئات المعقّد البروتينات) مولّدات الضد) إلى الخلايا التائيّة القاتلة فيرتبط مستقبلها بمولّد الضد ويعزّز البروتين CD8 ارتباطها بمولّد الضّد، وتقوم الخلايا التائيّة بقتل الخليّة المصابة.
تبتلع البالعات مولّد الضد وتنقسم البروتينات الخاصّة به، ترتبط تلك الأجزاء بمعقّد التوافق النسيجي الثاني MHC-2 والذي يرتبط بالخلايا التائيّة المساعدة، وكما يعزّز البروتين CD4 الارتباط، تفرز الخلايا التائيّة المساعدة سايتوكينات تحفّز وتنظّم الاستجابة المناعيّة.

دور السايتوكينات:
تفعّل السايتوكينات الاستجابة المناعية دون أن تتفاعل مباشرة مع مولد الضد. كما تعزز نمو الخلايا البائية وقابلية إفرازها للأجسام المضادّة. وتفرز مواد كيميائية تجذب الكريات البيض المعتدلة والبالعات الضامّة. من هذه السيتوكينات IL-2 الذي يعزز إنشاء الخلايا التائيّة المساعدة والقاتلة والبائية ويعزز تطوير خلايا البلازما ويفعّل الخلايا التائيّة القاتلة.

قتل الخلايا المصابة:
آلية عمل الخلايا التائيّة القاتلة: يدخل عامل ممرض الخليّة ويستولي عليها لتنتج بروتيناته، يقدّم الـ MHC-1 مولّد الضدّ على سطح الخليّة، فترتبط الخلايا التائيّة القاتلة بمولّد الضد. تتلقّى الخلايا التائيّة القاتلة إشارة من الخلايا التائيّة المساعدة عند تعرّفها على مولّد الضد عبر IL2، تطلق الخلايا القاتلة البيروفيرون الذي يخلق فتحات ترفع نفوذيّة جدار الخليّة مما يُدخل الماء والأملاح فيؤدّي إلى انفجارها وموتها. كما تقوم بإطلاق الفراغمنتين Fragmentin والذي يحفّز الموت المبرمج للخليّة.

تصنيف المناعة المكتسبة:
تصنّف المناعة المناعة المكتسبة إلى مناعة فاعلة ومناعة منفعلة، وكلاهما إمّا طبيعي أو مصطنع.
- المناعة المكتسبة الفاعلة: وترتبط فيها مولدات الضد بخلايا الجهاز المناعي وتؤدّي إلى تفعيل خاص للخلايا البائيّة والتائيّة. ويستغرق هذا النّوع من المناعة بعض الوقت ليتطوّر. ويدوم بعد زوال مولّدات الضد بسبب تطوّر الذاكرة المناعيّة. ويمكن الحصول عليها بطريقتين:
أ. المناعة الفاعلة الطبيعيّة: وتحدث بعد العدوى الطبيعيّة، وتحفّز بعض العوامل الممرضة مثل الحصبة ذاكرة طويلة الأمد، بينما لا تدوم كثيراً في إصاباتٍ مثل الإنفلونزا.
ب. المناعة الفاعلة المصطنعة: وتحدث عبر التقديم المدروس للمكروبات أو مكوناتها إلى مُضيف في عمليّة تسمّى بالتلقيح والغرض منها تقديم استجابة مناعيّة مناسبة تحمي المضيف في حال تعرّضه للعامل الممرض في المستقبل.

- المناعة المكتسبة المنفعلة: وتتضمّن تقديم أجسام مضادّة أو لمفاويّات جاهزة إلى الشخص. ولا يوجد دور فعّال للجهاز المناعي في تفعيل الاستجابة المناعيّة هذه. وتكون فوريّة ولكنّها مؤقّتة، تستمرّ باستمرار فعاليّة المواد المقدّمة. ويمكن الحصول عليها بطريقتين:
أ. المناعة المنفعلة الطبيعيّة: وهي بانتقال الأجسام المضادّة من الأمّ إلى الجنين عبر المشيمة، أو في لبأ الأم أثناء الرّضاعة. وهذا يحمي حديثي الولادة من أمراضٍ كثيرة خلال الأشهر الستّة الأولى من حياتهم.
ب. المناعة المنفعلة المصطنعة:
المناعة الخلطية: يمكن نقلها صناعيّاً عبر نقل الأجسام المضادّة .ومثال هذا نقل مصل مضادٍّ للسموم لمعالجة أو للوقاية من الأوبئة التي قد تسببها البكتيريا السامّة كالخنّاق Diphtheria والكُزاز.
المناعة الخلوية: يمكن نقلها عبر نقل اللمفاويّات. ويجب أن يتم هذا النقل بين أفرادٍ متوافقين جينيّاً لتجنّب تفاعلات الرفض.

المصادر:

GUYTON AND HALL، Textbook of Medical Physiology twelfth edition، volume1 Unit VI - Chapters 33،34.
Essential Medical Microbiology and Immunology، Volume 1 fifth edition By staff members of medical mircobiology department ، Faculty of medicine - Cairo University



فايروس الورم الحليمي الجنسي ،HPV

 

مُلخّص

تتسبب عدوى فيروس الوَرَم الحُلَيمِي البشري (HPV) عبارة عن عدوى فيروسية تسبب ظهور زوائد على الجلد أو الأغشية المخاطية (بثور). هناك ما يزيد عن 100 نوع من فيروس الوَرَم الحُلَيمِي البشري (HPV). بعض أنواع عدوى فيروس الورم الحليمي البشري (HPV) تسبب البثور، وبعضها يمكنه أن يسبب الإصابة بأنواع مختلفة من السرطان.